لا يَرْجِعُونَ) تشير إلى هذا المعنى أيضا ، لأنّها تتحدث عن عدم رجوع أولئك الذين ذاقوا عذابهم الشديد في هذه الدنيا ، فيتّضح منها أن أولئك الذين لم يذوقوا مثل هذا الجزاء ينبغي أن يرجعوا ، فيذوقوا عذابهم «فلاحظوا بدقة».
كما يرد هذا الاحتمال أيضا ، وهو أنّ رجعة «الطائفتين هاتين» في ذلك المقطع الخاص من الزمان هي بمثابة درسين كبيرين وآيتين مهمتين من آيات عظمة الله ـ ومسألة القيامة و «المبدأ والمعاد» ـ للناس ، ليبلغوا أسمى درجات الكمال المعنوي بمشاهدتهما ويزداد إيمانهم ... ولا يكونوا مفتقرين إلى شيء أبدا.
٥ ـ ويتصور بعضهم أنّ الإعتقاد بالرجعة لا ينسجم وأصل حرية الإرادة والإختيار عند البشر!.
وممّا بيّناه آنفا يتّضح أنّ هذا اشتباه محض ، لأنّ رجوع من يرجع إلى هذه الدنيا سيكون في ظروف طبيعية ، ويتمتع بحرية كاملة.
وما يقوله بعضهم بأنّه من الممكن أن يتوب الجبابرة والكفار المعاندون بعد الرجعة ويعودوا إلى الحق ، فجوابه أنّ هؤلاء الأفراد غارقون في الظلم والفساد والكفر بحيث أن هذه الأمور مندمجة مع روحهم ونسيجهم ولا يتصور توبتهم!.
كما أنّ القرآن يحكي في ردّه على طلب أهل النّار يوم القيامة الرجوع إلى الدنيا ، ليقضوا ما فاتهم ولا يعملوا السيئات ... فيقول : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ). (١)
كما يتّضح الجواب على إشكال بعضهم من أنّ الرجعة لا تنسجم مع الآية (١٠٠) من سورة المؤمنون لأنّه طبقا لهذه الآية فإن المشركين يطلبون الرجوع إلى هذه الدنيا ليعملوا صالحا ، ويقول كل منهم : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) فيرد عليه بالقول : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها).
__________________
(١) الأنعام ، الآية ٢٨.