أجل ... أعبد ربّ هذه البلدة المقدسة (الَّذِي حَرَّمَها) وجعل لها خصائص وأحكاما وحرمة ، وأمورا أخر لا تتمتع بها أية بلدة أخرى في الأرض!.
لكن لا تتصوروا أن هذه البلدة وحدها لله ، بل له كل شي في عالم الوجود (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ).
والأمر الثّاني الذي أمرت به هو أن أسلم وجهي له (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
وهكذا فإن الآية بيّنت وظيفتين أساسيتين على النّبي وهما (عبادة الواحد الأحد ، والتسليم المطلق لأمره).
والآية التالية تبيّن أسباب الوصول إلى هذين الهدفين فتقول : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ).
أتلوه فأستضيء بنوره ، وأنتهل من عذب معينه الذي يهب الحياة! وأن أعول في جميع مناهجي على هديه. أجل .. فالقرآن وسيلتي للوصول إلى هذين الهدفين المقدسين ، والمواجهة لكل أنواع الشرك والانحراف والضلال ومكافحتها ، ثمّ تعقب الآية لتحكي عن لسان الرسول وهو يخاطب قومه : لا تتصوروا أنّكم إذا آمنتم انتفعت من وراء ذلك لنفسي ، كما أن الله غني عنكم ، بل (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ).
وكل ما يترتب على الهداية من منافع دنيوية ، كانت أم أخروية فهي عائدة للمهتدي نفسه والعكس صحيح (وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ).
وعواقبه الوخيمة لا تصيبني ... فوظيفتي البلاغ والإنذار وإراءة سبيل الحق ، والإصرار على أن تسلكوا سبيل الحق ، إلّا أنّ من أراد أن يبقى في طريق الضلال ، فإنّما يشقى وحده ، فيكون من الخاسرين.