عجيبة! خطوة نحو الله ملء دلو من أجل إنصاف المظلومين ، فتح لموسى فصلا جديدا ، وهيأ له. من عالم عجيب من البركات المادية والمعنوية .. ووجد ضالته التي ينبغي أن يبحث عنها سنين طوالا.
وبداية هذا الفصل عند ما جاءته احدى البنتين تخطو بخطوات ملؤها الحياء والعفة ويظهر منها أنّها تستحي من الكلام مع شاب غريب : رجوعهما إليه بهذه السرعة على غير ما اعتادتا عليه ، فقصتا عليه الخبر ، فأرسل خلفه (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) فلم تزد على أن (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا).
فلمع في قلبه إشراق من الأمل ، وكأنّه أحس بأنّ واقعة مهمّة تنتظره وسيواجه رجلا كبيرا! .. رجلا عارفا بالحق وغير مستعد أن يترك أي عمل حتى لو كان ملء الدلو أن يجزيه عليه ، هذا الرجل ينبغي أن يكون إنسانا نموذجيا ورجلا سماويا وإلهيّا .. ربّاه .. ما أروعها من فرصة.
أجل ، لم يكن ذلك الشخص الكبير سوى «شعيب» النّبي الذي كان يدعو الناس لسنين طوال نحو الله ، كان مثلا لمن يعرف الحق ويطلب الحق ، واليوم إذ تعود بنتاه بسرعة يبحث عن السبب ، وحين يعرف الأمر يقرر أن يؤدي ما عليه من الحق لهذا الشاب كائنا من كان.
تحرك موسى عليهالسلام ووصل منزل شعيب ، وطبقا لبعض الروايات ، فإنّ البنت كانت تسير أمام موسى لتدله على الطريق ، إلّا أن الهواء كان يحرّك ثيابها وربّما انكشف ثوبها عنها ، ولكن موسى لما عنده من عفة وحياء طلب منها أن تمشي خلفه وأن يسير أمامها ، فإذا ما وصلا إلى مفترق طرق تدله وتخبره من أي طريق يمضي إلى دار أبيها شعيب : (١)
دخل موسى عليهالسلام منزل شعيب عليهالسلام ، المنزل الذي يسطع منه نور النبوّة .. وتشع
__________________
(١) انظر : أبو الفتوح الرازي ـ ذيل الآيات.