الحديث الوجيز الكريم ، وأن تؤدي الكلام حقّه بأقلّ العبارات.
ترى من أين عرفت هذه البنت أنّ هذا الشاب قويّ وأمين أيضا؟ مع أنّها لم تره الّا لأوّل مرّة على البئر ، ولم تتّضح لها سوابق حياته!
والجواب على هذا السؤال واضح وجليّ .. إذ لاحظت قوته وهو ينحيّ الرعاء عن البئر ويملأ القربة الثقيلة لوحده ويطالب بحق المظلوم ، وأمّا أمانته وصدقه فقد اتّضحا لها منذ أن سارت أمامه إلى بيت أبيها ، فطلب منها أن تتأخر ويتقدمها ، لئلا تضرب الريح ثيابها!.
أضف إلى ذلك .. من خلال نقله قصته لشعيب فقد اتّضحت قوته في دفعه القبطي عن الإسرائيلي وقتله إيّاه بضربة واحدة .. وأمانته وصدقه .. في عدم مساومته الجبابرة.
فرضي شعيب عليهالسلام باقتراح ابنته ، وتوجه إلى موسى و (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) ثمّ أضاف قائلا : (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) (١).
وعلى كل حال ، فلا أريد إيذاءك (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
فأنّا ألتزم بالعهد والميثاق وأفي بما نتعاقد عليه ، ولا أشدّد عليك في الأمور ، وأتعامل معك معاملة حسنة وصالحة .. إن شاء الله.
ومن خلال هذا الاقتراح هناك أسئلة كثيرة حول الزواج من ابنة شعيب والمهر وسائر الخصوصيات ، وسنبحث عنها في البحوث القادمة إن شاء الله.
واستجابة لهذا القرار والعقد الذي أنشأه شعيب مع موسى .. وافق موسى
__________________
(١) هذا المضمون نفسه ورد في رواية منقولة في تفسير علي بن إبراهيم ، فقال لها شعيب : أمّا قوته فقد عرفتنيه إنّه يستقى الدلو وحده ، فبم عرفت أمانته؟ فقالت : «إنّه لمّا قال لي تأخري عنّي ودليني على الطريق فإنّا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت أنّه ليس من الذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته».