جناحه إليه عند ما يزول عنه العدو ولا يجد ما يرهبه!.
وجاء موسى النداء معقّبا : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).
فهم طائفة خرجت عن طاعة الله وبلغ بهم الطغيان مرحلة قصوى .. فعليك ـ يا موسى ـ أن تؤدي وظيفتك بنصحهم ، وإلّا واجهتهم بما هو أشد.
هنا تذكر موسى عليهالسلام حادثة مهمة وقعت له في حياته بمصر ، وهي قتل القبطي ، وتعبئه القوى الفرعونية لإلقاء القبض عليه وقتله.
وبالرغم من أنّ موسى عليهالسلام كان يهدف عندها الى انقاذ المظلوم من الظالم الذي كان في شجار معه ، فكان ما كان .. إلّا أن ذلك لا معنى له في منطق فرعون وقومه ، فهم مصممون على قتل موسى إن وجدوه .. لذلك فإنّ موسى : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ).
وبعد هذا كلّه فإنّي وحيد ولساني غير فصيح (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ).
كلمة «أفصح» مشتقّة من «الفصيح» وهو في الأصل كون الشيء خالصا ، كما تطلق على الكلام الخالص من كل حشو وزيادة كلمة «الفصيح» أيضا.
و «الردء» معناه المعين والمساعد.
وعلى كل حال فلأن هذه المسؤولية كانت كبيرة جدّا ، ولئلا يعجز موسى عن أدائها ، سأل ربّه أن يرسل معه أخاه هارون أيضا.
فأجاب الله دعوته ، وطمأنه بإجابة ما طلبه منه و (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) فالسلطة والغلبة لكما في جميع المراحل.
وبشرهما بالنصر والفوز ، وأنّه لن يصل إليهما سوء من أولئك : إذ قال سبحانه : (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا) فبهذه الآيات والمعاجز لن يستطيعوا قتلكما أو الإضرار بكما (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ).