ماديّا ، ولكن لا تنسوا أن تعتبروا بحياة من قبلكم فـ (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها).
أجل ، إنّ الغرور دعاهم إلى أن يبطروا من النعم ، والبطر أساس الظلم ، والظلم يجرّ حياتهم إلى النّار (... فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً).
بلى ... بقيت بيوتهم خالية خربة متهدمة مظلمة لم يزرها ولم يسكنها أحد إلّا لفترة قليلة (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ).
فيا مشركي مكّة ... أتريدون أن تعيشوا حياة البطر والكفر كما عاشه أولئك ، وتكون عاقبتكم كعاقبتهم ، فأي نفع في ذلك؟!
كلمة «بطرت» مشتقّة من «بطر» على زنة «بشر» ومعناه الطغيان والغرور على أثر وفرة النعم.
والتعبير بـ «تلك» التي هي اسم إشارة للبعيد ، وتستعمل غالبا للأمور التي يمكن مشاهدتها ، ويحتمل أن يكون المقصود بها أرض «عاد وثمود وقوم لوط» التي لا تبعد كثيرا عن أهل مكّة ، وهي في أرض الأحقاف بين اليمن والشام ، أو في وادي القرى ، أو في أرض سدوم ، وجميع هذه المناطق في مسير قوافل التجار العرب الذين كانوا يمضون من مكّة إلى الشام ، وكانوا يرون تلك البيوت بأم أعينهم خالية خاوية لم تسكن إلّا قليلا.
وجملة (إِلَّا قَلِيلاً) التي جاءت بصيغة الاستثناء ، فيها ثلاثة احتمالات :
الاحتمال الأوّل : أن الاستثناء عن الساكنين.
والاحتمال الثّاني : أنّه عن المساكن.
والاحتمال الثّالث : أنّه عن السكن.
ففي الصورة الأولى يكون مفهومها أن جماعة قليلة سكنتها «أي سكنت تلك المساكن».
وفي الصورة الثّانية يكون مفهومها أن فترة قليلة كان بها السكن في هذه