والكافرين ، ويثير الوجدان ويجعله حكما فيقول : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).
ولا شك أن وجدان يقظ يرجّح وعود الله ومواهبه العظيمة الخالدة ، على نعم الدنيا التي لا تطول إلّا أيّاما وتتبعها آلام وشقاء خالد؟!
جملة (فَهُوَ لاقِيهِ) تأكيد على أن وعد الله لا يتخلف أبدا ولا بدّ أن يكون كذلك ، لأنّ تخلف الوعد إمّا ناشئ عن الجهل أو العجز ، وكلاهما مستحيل على ذات الله المقدسة.
وجملة (هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) إشارة إلى الإحضار في محضر الله يوم القيامة للحساب ، وفسرها البعض بالإحضار في نار جهنّم ، ولكن التّفسير الأوّل أنسب كما يبدو ، وعلى كل حال فإنّ هذا التعبير يدل بصورة واضحة على أنّ المجرمين يساقون مكرهين ، وعلى غير رغبة منهم إلى تلك العرصات المخوفة ، وينبغي أن يكون الأمر كذلك ... لأنّ وحشة الحساب والقضاء يوم القيامة ومشاهدها تغمر وجودهم هناك!.
والتعبير بـ (الْحَياةِ الدُّنْيا) التي تكررت في سور مختلفة من القرآن الكريم ، إشارة إلى حقارة هذه الحياة بالنسبة للحياة الأخرى والخلود فيها وعدم الزوال والاضمحلال ، لأنّ كلمة «دنيا» في الأصل مأخوذة من «دنو» على زنة «غلو» ومعناها القرب في المكان أو الزمان أو المنزلة والمقام ، ثمّ توسّع هذا المفهوم ليطلق بلفظ «دنيا أو أدنى» على الموجودات الصغيرة التي تحت اليد في مقابل الموجودات الكبيرة ، وقد يطلق هذا اللفظ على الموضوعات التي لا قيمة لها في مقابل الأشياء ذات القيمة العالية ، وربّما استعمل في القرب في مقابل البعد.
وحيث أن هذه «الحياة» في مقابل العالم الآخر صغيرة ولا قيمة لها وقريبة أيضا ، فإنّ تسميتها بالحياة الدنيا تسمية مناسبة جدّا.