عن مطلب ما ، فلا دليل على عدم تسميته نطقا ، لأنّ النطق كل لفظ مبين للحقيقة والمفهوم (١).
ولا نريد أنّ نقول أنّ ما يظهر من أصوات الحيوانات عند الغضب أو الرضا أو الألم أو إظهار الشوق لأطفالها هو نطق ، كلّا فهي أصوات تقترن بحالات الحيوان ... إلّا أنّنا ـ كما سيأتي في الآيات التالية ـ سنرى بتفصيل أن سليمان تكلم مع الهدهد في مسائل وحمّله رسالة ... وطلب منه أن يتحرّى جوابها.
وهذا الأمر يدلّ على أن الحيوانات بالإضافة إلى أصواتها الكاشفة عن حالاتها الخاصة ... لها القدرة على النطق في ظروف خاصة بأمر الله ، كما سيأتي الكلام في شأن تكلم النمل في الآيات المقبلة إن شاء الله.
وبالطبع فإن النطق استعمل في القرآن بمعناه الوسيع ، حيث يبيّن حقيقة النطق ونتيجته ، وهو بيان ما في الضمير ، سواء كان ذلك عن طريق الألفاظ أو عن طريق الحالات الأخر ، كما في قوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) (٢) إلّا أنّه لا حاجة إلى تفسير كلام سليمان ومنطق الطير بهذا المعنى ... بل طبقا لظاهر الآيات فإن سليمان كان بإمكانه أن يعرف ألفاظ الطير الخاصة الدالة على مسائل معيّنة فيشخّصها ، أو أنّه كان يتكلم معها فعلا ..
وسنتكلم في هذا الشأن في البحوث إن شاء الله تعالى.
أمّا جملة (أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) فهي على خلاف ما حدده جماعة من المفسّرين ، لها مفهوم واسع شامل .. فهي تشمل جميع الأسباب اللازمة لإقامة حكومة الله في ذلك الحين .. وأساسا فإن الكلام سيقع ناقصا بدونها ، ولا يكون له
__________________
(١) يقول ابن منظور في لسان العرب : «النطق» هو التكلم ، ثمّ يضيف «وكلام كل شيء منطقه. ومنه قوله تعالى : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) ثمّ ينقل عن بعض علماء العرب ـ وهو ابن سيده ـ أنّه «خلافا لما قال بعضهم : إن النطق خاص بالإنسان. فقد يستعمل النطق في غير الإنسان». وينبغي الالتفات إلى أن الفلاسفة وعلماء المنطق أطلقوا النطق على القدرة على التفكير الذي يعطي الإنسان التمكن من الكلام ...
(٢) الجاثية ، الآية ٢٩.