وتذكر مثلا للنعم التي تستوجب الحمد والثناء .. الحمد المشار إليه في الآيات المتقدمة ، كما هي في الوقت ذاته شاهد على اختيار الله وتدبيره في نظام الخلق من جهة أخرى!.
ففي الآية الأولى من هذه الآيات إشارة إلى نعمة النهار والنور الذي هو أساس لأية حركة ، فتقول الآية : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ) (١).
هنا عبر عن النهار بالضياء ، لأنّ الهدف الأصلي من النهار هو الضياء والانبلاج ، ذلك الضياء الذي تتعلق به حياة كل الموجودات الحية ، فلولا ضياء الشمس لما تنسمت «زهرة» ولا نمت «شجرة» ولا طار «طائر» ولا بقي «إنسان» ولا هطل مطر.
«السرمد» معناه الدائم المتواصل ، ويرى البعض بأنه المتتابع ، وأصله «سرد» ويرون أن ميمها زائدة .. لكن الظاهر أنّها كلمة مستقلة تعطي معنى الدوام والاستمرار. (٢) كما تتحدث الآية الأخرى عن نعمة الظلمة فتقول : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ).
أمّا الآية الثّالثة فتحكى عن نتيجة النعمة المشار إليها في الآيتين السابقتين فيقول (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أجل ، إنّ سعة رحمة الله تستوجب أن تضمن جميع عوامل حياتكم ، فأنتم ـ
__________________
(١) «أرأيتم» جملة تأتي بمعنى «أخبروني» عادة ، كما فسّروها ، ولكن كما قلنا سابقا تأتي أحيانا بمعنى : هل علمتم؟!
(٢) قال أهل اللغة : إن كلمة «سرمدي» تطلق على ما ليس له بداية ولا نهاية ، و «الأزلي» ما ليس له بداية ، و «الأبدي» ما ليس له نهاية ...