ويمكن التوفيق بين هذا التّفسير والتّفسير السابق (لأنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائز).
إذ ورد في تفسير (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) عن الإمام علي ابن أبي طالب عليهالسلام أنّه قال : «لا تنس صحتك وقدرتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الآخرة» (١).
وطبقا لهذا التّفسير فالعبارة المتقدمة بمثابة التنبيه لجميع الناس ، لئلا يضيعوا أوقاتهم وفرصهم فإنّها تمر مرّ السحاب.
والنصيحة الثّالثة هي (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ).
وهذه حقيقة أخرى ، وهي أن الإنسان يرجو دائما نعم الله وإحسانه وخيره ولطفه ، وينتظر منه كل شيء. فبمثل هذه الحال كيف يمكن له التغاضي عن طلب الآخرين الصريح أو لسان حالهم .. وكيف لا يلتفت إليهم!.
وبتعبير آخر : كما أنّ الله تفضل عليك وأحسن ، فأحسن أنت إلى الناس.
وشبيه هذا الكلام نجده في الآية (٢٢) من سورة النور في شأن العفو والصفح ، إذ تقول الآية : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ).
ويمكن تفسير هذه الجملة بتعبير آخر ، وهو أنّ الله قد يهب الإنسان مواهب عظيمة لا يحتاج إليها جميعا في حياته الشخصيّة فقد وهبه العقل والقدرة التي لا تدير فردا واحدا فحسب ، بل تكفي لإدارة بلد أيضا ووهبه علما لا يستفيد منه إنسان واحد فقط ، بل ينتفع به مجتمع كامل.
أعطاه مالا وثروة لتنفيذ المناهج الاجتماعية.
فهذه المواهب الإلهية مفهومها الضمني أنّها لا تتعلق بك وحدك ـ أيّها الإنسان ـ بل أنت وكيل مخوّل من قبل الله لنقلها إلى الآخرين ، أعطاك الله هذه المواهب لتدير بها عباده!.
__________________
(١) معاني الأخبار ، مطابق تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٣٩.