بل المقصود أنّه في الآخرة! لكن لا مانع من أن يكون عدم السؤال في الدارين «الدنيا والآخرة».
أي لا يسألون حال نزول العذاب في الدنيا ، لئلا يدافعوا عن أنفسهم ويبرئوا ساحتهم ، ويظهروا الأعذار تلوا الأعذار. ولا يسألون يوم القيامة ـ أيضا ـ لأنّ يوم القيامة لا يبقى فيه شيء خافيا ، فكل شيء واضح ، وكما يعبّر القرآن تعبيرا دقيقا في هذا الصدد (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ). (١)
وكذلك فإنّ الآية ـ محل البحث ـ (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) منسجمة تمام الانسجام مع الآية من سورة الرحمن إذ تقول : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ).
هنا ينقدح سؤال آخر ، وهو كيف ينسجم هذا التعبير في القرآن مع قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ). (٢) ويمكن الإجابة على هذا السؤال عن طريقين :
الأوّل : إنّ المواقف في يوم القيامة متعددة ، ففي بعضها يقع السؤال والجواب وفي بعض المواقف لا حاجة للسؤال ، لأنّ الحجب مكشوفة ، وكل شيء واضح هناك.
الثّاني : إنّ السؤال عادة نوعان .. «سؤال تحقيق» و «سؤال توبيخ» فليس في يوم القيامة سؤال للتحقيق ، لأنّ كل شيء هناك مكشوف عيانا وواضح دون لبس.
ولكن يوجد هناك سؤال توبيخ وهو بنفسه نوع من العذاب النفسي للمجرمين.
وينطبق هذا تماما في ما لو سأل الأب ابنه غير المؤدب : ألم أقدم لك كل هذه الخدمات ... أهذا جزاء ما قدمت؟! في حين أن كلا من الأب والابن يعرفان الحقيقة ، وأن قصد الأب من سؤاله لابنه هو التوبيخ لا غير!.
* * *
__________________
(١) سورة الرحمن ، الآية ٤١.
(٢) سورة الحجر ، الآية ٩٢.