أجل ، إنّ نار الجهل وجناية المنحرفين إنّما أحرقت وسائل الأسر ، فتحرر إبراهيم عليهالسلام منها ... وهذه بنفسها تعدّ آية أخرى.
وربّما كان ـ لهذه الأسباب ـ أن عبّر القرآن عن قصّة نوح وسفينته بقوله : (جَعَلْناها آيَةً) بصيغة الإفراد ، ولكنّه عبّر هنا بقوله : (لَآياتٍ) بصيغة الجمع!.
وعلى كل حال فإنّ ابراهيم عليهالسلام نجّي من النّار بصورة خارقة للعادة وبلطف الله سبحانه ، غير أنّه لم يترك أهدافه .. بل نهض بالأمر وازداد همّة وأعطى لأهدافه حرارة أكثر.
ثمّ توجه إبراهيم إلى المشركين (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ولكن هذه المودّة والمحبّة تتلاشى في الآخرة (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ).
كيف تكون الأوثان أساسا للمودّة بين عبدة الأوثان؟!
هذا السؤال يمكن الإجابة عليه من عدّة طرق :
الأوّل : أن عبادة الصنم أو الوثن كانت رمزا للوحدة لكل قوم ولكل قبيلة ، لأنّ كل جماعة اختارت لنفسها وثنا ، كما ذكروا في شأن أصنام الجاهلية ، إذ كان كل صنم يعود لقبيلة من القبائل العربية ، فصنم «العزّى» كان لقريش ، و «اللّات» كان خاصا بثقيف ، أمّا «منات» فكان خاصا بالأوس والخزرج!.
الثّاني : أن عبادة الأوثان تربط بينهم وبين أسلافهم وغالبا ما كانوا يعتذرون بمثل هذا العذر ويقولون : إنّ هذه الأوثان كان عليها السلف ونحن نتبع السلف ونمضي على دين آبائنا.
ثمّ بعد هذا كلّه فإنّ سراة (١) الكفار كانوا يدعون أتباعهم إلى عبادة الأوثان ، وكان هذا الأمر بمثابة «حلقة الاتصال» بين السراة والأتباع.
__________________
(١) «السراة» جمع مفردها سريّ ـ كبير القوم. (المصحح)