والشاهد على هذا الكلام قول إبراهيم عليهالسلام في الآية (٩٩) من سورة الصافات (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ). (١) وفي آخر آية من هذا المقطع يقع الكلام على المواهب الأربع التي منحها الله لإبراهيم عليهالسلام بعد الهجرة العظيمة :
الموهبة الأولى : الأبناء الصالحون ، من أمثال إسحاق ويعقوب ، ليسرجوا مصباح الإيمان والنّبوة في بيته وأسرته ويحافظوا عليه ، إذ يقول القرآن : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وهما نبيّان كبيران واصل كلّ منهما السير على منهاج إبراهيم عليهالسلام محطم الأصنام.
الموهبة الثّانية : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) ولم تكن النّبوة في إسحاق بن إبراهيم ويعقوب حفيده فحسب ، بل استمر خط النّبوة في ذريّة إبراهيم عليهالسلام وأسرته حتى نبوّة خاتم الأنبياء محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم متعاقبون من ذرية إبراهيم ، نوّروا العالم بضياء التوحيد.
الموهبة الثّالثة : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) فما هو هذا الأجر الذي لم يوجهه القرآن؟ لعله إشارة إلى أمور مختلفة مثل الاسم الحسن ، ولسان الصدق والثناء بين جميع الأمم ، لأنّ الأمم كلها تحترم ابراهيم عليهالسلام على أنّه نبي عظيم الشأن ، ويفتخرون بوجوده ويسمونه «شيخ الأنبياء».
عمارة أرض مكّة كانت بدعائه ، وجذب قلوب الناس جميعا نحوه ، لتتذكر ذكريات التجلي والإيمان كل سنة في مناسك الحج ، كل ذلك من هذا الأجر المشار اليه في القرآن.
الموهبة الرّابعة : هي (إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) وهكذا تشكّل هذه
__________________
(١) هناك بحث مفصل في هجرة إبراهيم عليهالسلام من بابل إلى الشام في ذيل الآية (٧١) من سورة الأنبياء من التّفسير الأمثل ، فلا بأس بمراجعته.