«فلاحظوا بدقة».
انتهى كلام الملائكة مع إبراهيم هنا ، وتوجهوا إلى ديار لوط عليهالسلام وقومه ، يقول القرآن في هذا الشأن : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً).
وكان كلّ استيائه وعدم ارتياحه بسبب أنّه لم يعرفهم ... فقد جاؤوا إليه بهيئة فتيان ذي وجوه مليحة ، ومجيء أمثال هؤلاء الضيوف في مثل هذا المحيط الملوّث ، ربّما كان يجرّ على لوط الوبال ، وأن يذهب ماء وجهه أمامهم ، لذلك فكر مليّا : ما عسى أن يكون ردّ فعل هؤلاء القوم الضالين الوقحين الذين لا حياء لهم قبال هؤلاء الضيوف؟!
«سيء» مشتقّة من «ساء» ومعناه سوء الحال ، و «الذرع» معناه «القلب» «الخلق» ، فعلى هذا يكون معنى (ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي ضاق قلبه وانزعج.
وقال بعض المفسّرين : إنّ هذه الكلمة في الأصل تعني «الفاصلة بين أطراف البعير أثناء السير» وحيث أنّهم إذا وضعوا على البعير حملا ثقيلا قصّر خطاه وضيّق الفاصلة ، عبروا بجملة «ضاق ذرعا» كناية عن الحادثة الثقيلة «الصعبة» التي لا تطاق!
إلّا أنّ الضيوف حين أدركوا عدم ارتياحه كشفوا عن «هويّتهم» وعرفوا أنفسهم ورفعوا عنه الحزن : (وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ).
ويستفاد بالطبع من الآيات التي في سورة هود أن أولئك القوم الأراذل ، حين عرفوا بوجود الضيوف عند لوط عليهالسلام أسرعوا إليه ، وكان في نيّتهم أن يعتدوا عليهم ، وحيث أن لوطا كان لا يزال غير عارف بحقيقة الملائكة فقد كان متأثرا جدّا ، وكان تارة ينصحهم واخرى يهدّدهم ومرّة يقول لهم : (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) فيحرك ضمائرهم وتارة يقترح عليهم الزواج من بناته ، وأراد أن يمنعهم