لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ).
وكانت فطرتهم على فطرة الله وتقواه ، ولم يأل الأنبياء جهدا في هدايتهم ، وبذلوا قدرا كافيا من النصح والإرشاد لهم ، لكنّهم حادوا (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ).
قال بعض المفسّرين : إنّ جملة (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) تعني أنّهم كانوا ذوي أعين بصيرة ، وعقل كاف.
وقال بعضهم : إنها تعني أنّهم كانوا على الفطرة السليمة.
كما قال آخرون : إنّها تعني هداية الأنبياء لهم.
ولا يمنع اجتماع جميع هذه المعاني في الآية الكريمة ، فهي إشارة إلى أنّهم لم يكونوا جاهلين قاصرين ، بل كانوا يعرفون الحق جيدا من قبل ، وكانت ضمائرهم حية ولديهم العقل الكافي ، وأتمّ الأنبياء عليهم الحجّة البالغة ، ولكن ...
مع كل ما تقدم ... من نداء العقل والضمير ، ودعوة الأنبياء ، فقد انحرفوا عن السبيل ووسوس لهم الشيطان ، ويوما بعد يوم يرون أعمالهم القبيحة حسنة ، وبلغوا مرحلة لا سبيل لهم إلى الرجوع منها ، فأحرق قانون الخلق والإيجاد هذه العيدان اليابسة .. وهي جديرة بذلك! والآية الأخرى تذكر أسماء ثلاثة من الجبابرة الذين كان كل واحد منهم بارزا للقدرة الشيطانية ، فتقول : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ) (١).
فقارون كان مظهر الثروة المقرونة بالغرور وعبادة «الذات» والأنانية والغفلة.
وفرعون كان مظهر القدرة الاستكبارية المقرونة بالشيطنة.
وأمّا هامان ، فهو مثل لمن يعين الظالمين المستكبرين!.
ثمّ يضيف القرآن (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) والدلائل (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) فاعتمد قارون على ثروته وخزائنه وعلمه ، واعتمد فرعون وهامان على جيشهما وعلى القدرة العسكرية ، وعلى قوة إعلامهم وتضليلهم لطبقات
__________________
(١) هذه الكلمات الثلاث مفاعيل للفعل المقدر «أهلكنا» أو كما قال البعض : هي مفاعيل لفعل تقديره «اذكر»!