وعند منتصف النهار وبينما هو غارق في حياته المادية يفاجأ بصوت تكبير المؤذن ، فيقطع عمله ويسرع إلى حضرته ، بل في آخر النهار بداية الليل أيضا وقبل أن يدلف إلى فراش الدعة والراحة ، يدعوه ويطلب منه حاجته ، ويجعل قلبه مركز أنواره.
وبغض النظر عن كل ما تقدم فإنّ الإنسان حين يتهيأ لمقدمات الصلاة ، يطهّر بدنه ويبعد عنه مسائل الحرام والغصب ، ويتجه إلى الحبيب ، فكلّ هذه الأمور لها تأثير رادع لنوازع الفحشاء والمنكر.
غاية ما في الأمر أنّ كل صلاة ـ بحسب شروط الكمال وروح العبادة لها ـ أثر رادع ناه عن الفحشاء والمنكر ، فتارة تنهى نهيا كليّا وأخرى جزئيا .. ومحدودا.
ولا يمكن لأحد أن يصلي ولا تدع الصلاة فيه أثرا حتى لو كانت الصلاة صورية ، وحتى لو كان ملوّثا بالذنب! وبالطبع فإنّ مثل هذه الصلاة قليلة الفائدة ومثل هؤلاء الأفراد لو لم يصلّوا صلاة كهذه لكانوا أسوأ ممّا هم عليه.
ولنوضّح أكثر فنقول : النهي عن الفحشاء والمنكر له سلسلة درجات ومراتب كثيرة ، وكل صلاة مع رعاية الشروط لها نسبة من هذه الدرجات.
وممّا بيّناه آنفا يتّضح أن تخبط بعض المفسّرين في تفسير هذه الآية ، وانتخاب تفسيرات غير مناسبة لا وجه له! وربّما فسّروها بتفسير غير مناسب ، لأنّهم رأوا بعض الناس يصلون ويرتكبون الذنوب ، ففسّروا الآية في معناها المطلق دون سلسلة المراتب ، وأخذوا يشكّون ويترددون ، فاختاروا طرقا أخرى في تفسير الآية.
فمنها ما قاله بعضهم : من أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام الإنسان مشغولا بها. وهذا كلام عجيب ، إذ لا تتميز الصلاة بهذا وحدها ، فكثير من الأعمال على هذه الشاكلة.