(خالِدِينَ فِيها).
ويضيف القرآن معقبا في ختام الآية (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).
وبموازنة بسيطة بين ما ذكر آنفا في شأن الكفّار والمذنبين في الآيات السابقة ، وما ورد في هذه الآية ، تتّضح عظمة ثواب المؤمنين.
فالكفّار غارقون في نار جهنّم من قرنهم إلى قدمهم ، ويقال لهم على سبيل التوبيخ (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
أمّا المؤمنون فهم مقيمون في نعيم الجنّة وتحيط بهم رحمة الله من كلّ جانب ، وبدلا من كلمات التوبيخ يكلمون بكلام طيب ملؤه المحبّة واللطف الإلهي الكريم ، أجل يقال لهم : (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).
وبديهي أنّ المراد بالعاملين هنا مع قرائن الجمل السابقة ، هم الذين يعملون الصالحات المقرونة بإيمانهم ، وإن كانت كلمة العاملين مطلقة.
وفي حديث عن نبيّ الإسلام العظيم صلىاللهعليهوآله يصف الجنّة فيقول : «إنّ في الجنّة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» فنهض بعض أصحابه فقال :
يا رسول الله صلىاللهعليهوآله لمن هذه الغرف؟ فقال صلىاللهعليهوآله : «هي لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وصلى لله بالليل والناس نيام» (١).
والآية التالية تصف أهمّ ما يتحلّى به المؤمنون العاملون فتقول : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
إذ يبتعدون عن الزوجة والأولاد والأهل والبيت والأحباب والأصدقاء وكل شيء عزيز عليهم ، لكنّهم يصبرون برغم الفراق يذوقون مرارة الغربة والتهجير عن أوطانهم ويصبرون ، وتتلقى أنفسهم العذاب والأذى من أعدائهم من أجل حفظ إيمانهم ، ويواجهون الصعاب في جهادهم الأكبر «جهادهم مع النفس» وجهادهم أعداءهم بشدّة ، ويتحملون أنواع المشاكل فيصبرون!
__________________
(١) تفسير القرطبي ذيل الآيات محل البحث ، ج ٧ ، ص ٥٠٧٥.