جميع النعم ، إذ لمّا كان الماء الذي هو مصدر الحياة لجميع الحيوانات من رزق الله فيكون واضحا أن الأرزاق جميعها صادرة من قبله أيضا.
قل الحمد لله «واشكره» ، لأنّهم يعترفون بهذه الحقائق.
وقل الحمد لله ، فمنطقنا قوي متين حيّ إلى درجة لا يستطيع أي أحد إبطاله أو تفنيده. وحيث أنّ أقوال المشركين من جهة ، وأعمالهم وأفعالهم وكلماتهم من جهة أخرى ، يناقض بعضها بعضا ، فإنّ الآية تختتم بإضافة الجملة التالية (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).
وإلّا فكيف يمكن للإنسان العاقل أن يتناقض في كلماته ، فتارة يرى أن الخالق والرازق والمدبّر للعالم هو الله ، وتارة يسجد للأوثان التي لا تأثير لها بالنسبة لعواقب الناس!. فمن جهة يعتقدون بتوحيد الخالق والرب ، ومن جهة أخرى يظهرون الشرك في العبادة.
ومن الطريف أنّ الآية لا تقول : «أكثرهم لا عقل لهم» بل تقول : (لا يَعْقِلُونَ) ومعناها أنّهم لديهم العقول ، إلّا أنّهم لا يستوعبون ولا يتعقلون!
ومن أجل أن يحوّل القرآن أفكارهم من أفق هذه الحياة المحدودة إلى عالم أوسع من خلال منظار العقل ، فإنّه يبيّن في الآية التالية كيفية الحياة الدنيا قياسا إلى الحياة الأخرى الخالدة ، في عبارة موجزة ومليئة بالمعاني ، فيقول : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
كم هو تعبير بليغ وبديع! لأنّ «اللهو» معناه الانشغال .. أو كل عمل يصرف الإنسان إليه ويشغله عن مسائل الحياة الأساسية.
أمّا «اللعب» فيطلق على الأعمال التي فيها نوع من النظم الخيالي ، والهدف الخيالي أيضا ، ففي اللعب يكون أحد اللاعبين ملكا ، والآخر وزيرا ، والثّالث قائدا للجيش ، والرابع ـ السارق أو «الحرامي» ، والخامس يمثل القافلة وهكذا ، وبعد انتهاء اللعب المؤقت يعود كل شيء إلى مكانته ، وكأن المسألة لا تعدوا