وفي الآيات ـ محل البحث ـ يردّ القرآن عليهم بطريق آخر فيقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) أي أرض مكّة المكرمة.
في حين أن العرب كانوا يعيشون في حالة غير آمنة خارج مكّة ، وكانت قبائلهم مشغولة بالنهب والسلب والغارات ، إلّا أن هذه الأرض باقية على أمنها (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).
فالله المقتدر على أن يجعل في هذا البحر المتلاطم والطوفان المحدق بأرض الحجاز «من الفتن» حرم مكّة كالجزيرة الهادئة الآمنة وسط البحر. كيف لا يمكنه أن يحفظهم من أعدائهم؟! وكيف يخافون الناس الضعاف قبال قدرة الله العظيمة جلّ وعلا؟ (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ).
وملخص الكلام ، إنّ الله القادر على أن يجعل في أرض مضطربة في وسط جماعة من الناس أنصاف وحشيين منطقة صغيرة آمنة ، فكيف لا يقدر على حفظ جماعة المؤمنين القلائل بين جماعات كثيرة من الكفار.
وبعد ذكر هذا الدليل الواضح ينتهي القرآن الى هذه النتيجة في الآية التالية (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ).
لقد قدمنا دلائل واضحة لكم على أنّه لا شيء أحق بالعبادة وأحرى بها من الله ، لكنّكم كذبتم على الله ، وصنعتم له شركاء بأيديكم ، وتدعون أن هذا هو منهج إلهي.
ومن جهة أخرى ، فإنّ القرآن الذي أنزلناه عليكم فيه دلائل الحق لائحة واضحة ، إلّا أنّكم لم تكترثوا به ، وألقيتموه وراءكم ظهريا! فهل يتصور ظلم أشدّ من هذا؟! لقد ظلمتم أنفسكم وظلمتم الناس جميعا ، لأنّ الشرك ظلم عظيم.
وبتعبير آخر : هل الظلم بمعناه الوسيع إلّا الانحراف وإخراج الشيء عن محلّه الجدير به ، وهل يرى أسوأ من أن يعدّ الإنسان حفنة من الأحجار المصنوعة التي لا قيمة لها أو الخشب المصنوع شركاء للخالق سبحانه الذي