يعرف موضوعا لا يعرفه أعلم من في عصره ، لئلا يكون الإنسان مغرورا بعلمه ... حتى لو كان ذلك سليمان مع ما عنده من علم النبوّة الواسع.
وعلى كل حال ، فإنّ الهدهد أخذ يفصّل لسليمان ما حدث فقال : (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ).
لقد بيّن الهدهد لسليمان بهذه الجمل الثلاث جميع مواصفات هذا البلد تقريبا ، وأسلوب حكومته!
فقال أوّلا : إنّه بلد عامر فيه جميع المواهب والإمكانات ، والآخر إنّني وجدت امرأة في قصر مجلل تملكهم ، والثّالث : لها عرش عظيم ـ ولعله أعظم من عرش سليمان ـ لأنّ الهدهد كان رأى عرش سليمان حتما ، ومع ذلك يصف عرش هذه الملكة بأنّه عظيم.
وقد أفهم الهدهد بكلامه هذا سليمان أنّه لا ينبغي أن تتصور أن جميع العالم تحت «نفوذ أمرك وحكومتك»! وأن عرشك هو وحده العرش العظيم ...
ولما سمع سليمان عليهالسلام كلام الهدهد غرق في تفكيره ، إلّا أن الهدهد لم يمهله طويلا فأخبره بخبر جديد .. خبر عجيب ، مزعج مريب ، إذ قال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) فكانوا يفخرون بعبادتهم للشمس وبذلك صدّهم الشيطان عن طريق الحق (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ).
وقد غرقوا في عبادة الأصنام حتى أنّي لا أتصور أنّهم يثوبون إلى رشدهم (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ).
وهكذا فقد بين الهدهد ما هم عليه من حالة دينية ومعنوية أيضا ، إذ هم غارقون في الشرك والوثنية والحكومة تروّج عبادة الشمس ... والناس على دين ملوكهم.
معابدهم وأوضاعهم الأخرى تدل على أنّهم سادرون في التيه ، ويتباهون