زكاة ، والفقير داخل في المسكين ، لأنّ من أوصى للمساكين شيئا يصرف إلى الفقراء أيضا «فما ذكرته الآية من ترتيب لهؤلاء إنّما يناسب شأنهم». (١)
وعلى كل حال فإنّ القرآن يبيّن في نهاية الآية ترغيبا للمحسنين ، وشرط القبول ضمنا ، فيقول : (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
أولئك المفلحون في هذه الدنيا ، لأنّ الإنفاق يجلب معه البركات العجيبة ، وفي الآخرة أيضا ، لأنّ الإنفاق هو أكثر الأعمال ثقلا في ميزان الله يوم القيامة.
ومع الالتفات إلى أن المراد من (وَجْهَ اللهِ) ليس هو المحيّا الجسماني ، إذ ليس له تعالى وجه جسماني ، بل هو بمعنى ذاته المقدّسة ، فإن هذه الآية تشير إلى أن الإنفاق وإيتاء حق الأقارب وأصحاب الحق الآخرين ليس كافيا ، بل المهم هو الإخلاص والنية الطاهرة والخالية من أي أنواع الرياء والمنة والتحقير وانتظار الأجر والثواب.
وخلافا لما ذهب إليه بعض المفسّرين. من أنّ الإنفاق لغرض الوصول إلى الجنّة ليس مصداقا لوجه الله ، فان جميع الأعمال التي يؤديها الإنسان وفيها نوع من الارتباط بالله ، سواء كانت لمرضاته أو ابتغاء ثوابه أو للنجاة من جزائه ، فكلها مصداق لوجه الله ، وإن كانت المرحلة العليا والكاملة من ذلك أن لا يبتغي الإنسان من وراء عمله إلّا الطاعة والعبودية المحضة!.
وتشير الآية التالية ـ بمناسبة البحث المتقدم عن الإنفاق الخالص ـ إلى نوعين من الإنفاق : أحدهما لله ، والآخر يراد منه الوصول إلى مال الدنيا ، فتقول : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).
مفهوم الجملة «الثّانية» وهي إعطاء الزكاة والإنفاق لوجه الله والثواب واضح ، إلّا أن الجملة الأولى (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) مختلف في تفسيرها مع
__________________
(١) ذيل الآيات محل البحث «الفخر الرازي».