والتعبير بـ «يصدعون» من مادة «صدع» معناه في الأصل : كسر الإناء ، ثمّ انتقل بالتدريج إلى أي نوع من أنواع التفرق والتشتت. وهنا إشارة إلى انفصال صفوف أهل الجنان عن صفوف أهل النيران ، وكل من هذه الصفوف يتفرق إلى عدة صفوف ، وذلك لسلسلة المراتب في الجنان ، ودركات النيران «والعياذ بالله».
والآية التالية ـ بيان لهذا الانفصال في يوم القيامة ، إذ تقول : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ).
كلمة «يمهدون» مشتقّة من «المهد» على زنة «عهد» وكما يقول الراغب في مفرداته فإنّ معناه السرير المعدّ للطفل ، ثمّ توسعوا في المعنى فصار المهد والمهاد لكل مكان مهيأ ومعد «وفيه منتهى الدعة والراحة» وقد انتخب هذا التعبير لأهل الجنّة والمؤمنين الصالحين ، من هذه الجهة.
والخلاصة : لا تحسبوا أن إيمانكم وكفركم وأعمالكم الصالحة والطالحة لها أثر على الله ، بل أنتم الذين تفرحون بها أو تساءون (يَوْمَ تَرَوْنَها).
ومن الطريف أنّ القرآن اكتفى في شأن الكفار بالتعبير بـ (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) ولكن بالنسبة للمؤمنين تضيف الآية التالية : أن المؤمنين لا يرون أعمالهم فحسب ، بل يوليهم الله من مواهبه وفضله فيقول : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ).
ومن المسلّم به أن هذا الفضل لا يشمل الكفار إذ (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ...) ولا شكّ أنّ الله يعاملهم وفق عدالته ، ويجزيهم ما يستحقون ، لا أكثر ، لكن لا ينالهم منه فضل وموهبة أيضا.
* * *