والمرحلة الثّانية : مرحلة «الصمم» وعدم السمع ، ولا سيما عند أولئك الذين يديرون ظهورهم وهم في حالة الفرار ، فقد يؤثر فيهم الصراخ الشديد لو كانوا قريبين ، لكن في مثل هذه الحال وهم يفرون ، فلا!
وبالطبع فإنّ هذه الطائفة ليست كالموتى ، فمن الممكن أحيانا أن يتمّ تفهيمهم بالإشارة أو العلامة ، إلّا أنّنا نعرف أن كثيرا من الحقائق لا يمكن بيانها وإيصالها إلى الذهن بالإشارة! وخاصة حين يدير الطرف الآخر ظهره ويكون بعيدا.
المرحلة الثّالثة : (العمى) ، وبالطبع فإن الحياة مع العمي أسهل بمراتب من الحياة مع «الصم» أو الحياة مع «الموتى» ، فعلى الأقل لديهم آذان سميعة ، ويمكن إيصال كثير من المفاهيم إليهم ... لكن اين السمع في إدراك الحقائق من البصر؟!
ثمّ بعد هذا كلّه ، فإنّ تبيين المسائل غير كاف وحده ، فلنفرض أن يقال للأعمى سر باتجاه اليمين أو اليسار ، فإنّ تطبيق هذا الأمر ليس سهلا ، وربّما بأقل خطأ ـ أحيانا ـ في تحديد المقدار ، يؤدي بالأعمى إلى السقوط!
وفي بحثنا المفصل في ذيل الآيتين (٨٠) و (٨١) من سورة النمل ، بيّنا ـ ضمن التحليل لحقيقة الحياة والموت ـ الإشكال الواهي الذي أثاره جماعة من الوهابيين ، إذ يستعينون بمثل هذه الآيات ـ محل البحث وغيرها ـ لإثبات عدم جواز التوسل بالنّبي والأئمّة الطاهرين ، ويقولون : إنّ الموتى (حتى النّبي) لا يفهمون شيئا.
غير أنّنا أثبتنا هناك أن الإنسان ـ خاصّة من هو بمستوى الأئمة الكرام والشهداء العظام ـ له نوع من الحياة البرزخية بعد الموت ، وهناك وثائق كثيرة وأدلة متعددة من القرآن والأحاديث تشهد بذلك وتؤيده ، وفي هذه الحياة البرزخية إدراك وبصر أوسع من الحياة الدنيوية (لمزيد الإيضاح يراجع التّفسير الأمثل ، ذيل الآيات المشار إليها آنفا).