الأعمى لا يبصر الطعام ، والأعرج لا يستطيع الزحام على الطعام ، والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح ، فعزلوا لهم طعامهم على ناحية ، وكانوا يرون عليهم في مؤاكلتهم جناح ، وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون : لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم ، فاعتزلوا من مؤاكلتهم ، فلما قدم النبي سألوه عن ذلك فأنزل الله عز وجل : «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً» (١)
ولعلنا نستوحي من السياق أيضا ان نفي الحرج هنا يعني جواز الاكل ، فيكون المفهوم من الآية ليس على الأعمى حرج ، ولا على الأعرج حرج ، ولا على المريض حرج ، أن يأكل من بيوت الناس ، أما أنتم فليس عليكم حرج أن تأكلوا من بيوتكم ، أو بيوت أقاربكم.
والحكمة في ذلك : ان هؤلاء هم العناصر الضعيفة الذين يعجزون عادة عن كسب رزقهم ، فعلى الأصحاء كفالتهم والسماح لهم بالدخول الى بيوتهم للطعام وبرهم.
وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ
تذكر هذه الآية بالتفصيل البيوت التي لا حرج على الإنسان في دخولها والاكل منها.
ويبدو أنها ليست في مقام إعطاء الاذن فحسب ، بل في مقام التشجيع على ذلك أيضا ، فربما يتحرج الإنسان من الدخول الى بيوت أقاربه أو معارفه من الأصدقاء ، فيرفع النص ، هذا الحرج ، لتنمو الالفة والمحبة بين الأسر المختلفة ، وكما يقول
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٣ / ص ٦٢٤.