ثم قال عليه السّلام : وانما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها ، وذلك انه لا يكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ، ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي اشتراط الله تعالى على المؤمنين والمجاهدين ، فاذا تكاملت فيه شرائط الله تعالى كان مؤمنا ، وإذا كان مؤمنا كان مظلوما ، وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد ، لقوله عز وجل : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وان لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب ، وليس مأذونا له في الجهاد والدعاء الى الله عز وجل ، لأنه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن لهم في القرآن في القتال ، فلما نزلت هذه الآية : «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم أحل لهم جهادهم بظلمه إياهم واذن لهم في القتال.
فقلت : فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم فما بالهم في قتال كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟ فقال : لو كان انما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط لم يكن لهم الى قتال جموع كسرى وقيصر و غير أهل مكة من قبائل العرب سبيل ، لان الذين ظلموهم غيرهم ، وانما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة لإخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حق ، ولو كانت الآية انما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم ، إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد ، وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم إذا لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد ، وليس كما ظننت ولا كما ذكرت ، ولكن المهاجرين ظلموا من جهتين ظلمهم أهل مكة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم ، فقاتلوهم بإذن الله لهم في ذلك ، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم ، مما كان