المادي للخليقة ، ثمّ هل نستطيع أن نقول أنّ الحق تجلّ لاسم الحكمة ، والأجل لاسم العزّة؟ أنّى كان فانّ الله يشير في مواقع عديدة من القرآن إلى مثل ذلك ، فيقول ـ مثلا ـ في سورة الأعراف (آية ٥٤) : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) ، ويقول في سورة فصّلت (آية ٩ ـ ١٠) : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ).
ولا بد أن نعيش هذه الحقيقة فيما يتصل بموقفنا من الوقت الذي هو جزء من حقيقتنا ، وانّ وعي الزمن ركيزة أساسية في حكمة البشر ، وسلامة عقله ، وتنامي حضارته.
لا بدّ أن نعرف أنّنا ـ نحن البشر ـ كسائر الأشياء الأخرى ، يحدونا الليل والنهار ، ويتعقّبنا الموت ، وإذا ينبغي علينا أن نخاف ونخشى ، ليس لأنّ حياتنا الدنيا ستنتهي ويقفل الموت أبوابها ، بل لأنّ النهاية ستلقي بنا وإلى الأبد في واحدة من اثنتين إما روضات النعيم وإمّا حفر الجحيم.
ولأهمية العلم بهذه الحقيقة كان الامام علي ـ عليه السّلام ـ يذكّر بها أبناءه وأنصاره في مواعظه البليغة ، فترى يذكّر بها ـ مثلا ـ في وصيته لابنه الحسن ـ عليه السّلام ـ حيث يقول في أوّلها :
«من الوالد الفان ، المقر للزمان ، المدبر العمر ، المستسلم للدنيا ، الساكن مساكن الموتى ، والظاعن عنها غدا ، إلى المولود المؤمّل ما لا يدرك ، السالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام ، وأسير الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ،