ونصب الآفات ، وصريع الشهوات ، وخليفة الأموات». ثم يشرع فيها (ع) وكان ممّا قاله خلالها : «وذلّله ـ قلبك ـ بذكر الموت ، وقرّره بالفناء ، ... ، وحذّره صولة الدهر ، وفحش تقلّب الليالي والأيام» ، «واعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة ، وأنّ الخالق هو المميت ، وأنّ المفني هو المعيد» ، «واعلم انّ أمامك عقبة كؤودا ، المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل ، والمبطئ عليها أقبح حالا من المسرع ، وأنّ مهبطك بها لا محالة امّا على جنة أو على نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك ، ووطّئ المنزل قبل حلولك ، فليس بعد الموت مستعتب ، ولا إلى الدنيا منصرف» ، «واعلم يا بنيّ أنّك انّما خلقت للآخرة لا للدنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وللموت لا للحياة ، وأنّك في قلعة ، ودار بلغة ، وطريق إلى الآخرة ، وأنّك طريد الموت ، الذي لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، ولا بدّ أنّه مدركه ، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة ، قد كنت تحدّث نفسك منها بالتوبة ، فيحول بينك وبين ذلك ، فاذا أنت قد أهلكت نفسك» ، «يا بنيّ أكثر من ذكر الموت ، وذكر ما تهجم عليه ، وتقضي بعد الموت إليه ، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك ، وشددت له أزرك ، ولا يأتيك بغتة فيبهرك» ، «رويدا يسفر الظلام ، كأن قد وردت الأضغان ، يوشك من أسرع أن يلحق! واعلم يا بنيّ أنّ من كانت مطيّته الليل والنهار ، فانّه يسار به وإن كان واقفا ، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا» ، «واعلم يقينا أنّك لن تبلغ أملك ، ولن تعدو أجلك» (١)
هكذا أشبع (ع) وصيته بتلك الحقيقة ، ولو نظرنا في خطبه ورسائله وحكمه في نهج البلاغة لرأينا أنّ أغلبها يركّز على تلك الحقيقة وتحوم حولها.
وهكذا القرآن الحكيم يذّكر البشر بالموت والنشور والحساب والجزاء ، وأنّ الإنسان محدود ، وأنّه إذا جاءه أجله لا يستأخر ساعة ولا يستقدم ، ولكنّ أكثر
__________________
(١) نهج البلاغة / رسالة ٣١