الله ابتغاء إنقاذهم من مصيرهم المحتوم ، فقد يتصوّرون المال منقذا لهم من الموت ، فتراهم يجمعون البلايين من الدولارات ، ويحرصون في الحصول على الأكثر ، بالرغم من أنّ تلك الأموال الهائلة تكفيهم وتكفي ذريّاتهم إلى عشرات الأجيال ، ولكنّهم لا يريدون المال للعيش به ، وإنّما لسد النقص الذي يشعرون به في أنفسهم ، إنّهم فعلا يفتّشون عن الخلود ، ويخافون العاقبة المرّة ، يقول تعالى موضحا هذه الحقيقة : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ* يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (١) ، «وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ» (٢) ، وقد يتصوّرون السلطة سببا للفرار من الموت ، ووسيلة للهروب من الفناء ، قال تعالى عن فرعون : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) (٣) ، وقد يتصوّرون أنّ القوة المحدودة التي يملكونها تحجز عنهم أمر الله فيهم بالموت أو الحساب أو العذاب ، قال تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ)» (٤).
ولكن كلّ تلك التصوّرات زائفة ، ولهذا يقول الرب : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (٥) ، ويقول عزّ وجل : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (٦) ، فأنت كنت تخاف من سكرة الموت ، وحتى تخلّص نفسك منها ولو عبر عملية الخداع الذاتي أشركت بالله ما ليس لك به علم ، والآن هل يمكن أن يغني عنك ذلك الشريك شيئا؟ كلّا .. فهي قد جاءتك ، وستذوق مرارة الموت ، وتتحسس عنفه وفظاعة نزعاته.
__________________
(١) الهمزة / ٢ ـ ٣
(٢) الشعراء / ١٢٩
(٣) القصص / ٣٩
(٤) الحشر / ٢
(٥) النساء / ٧٨
(٦) ق / ١٩