وهكذا بالنسبة للرسل ، فهم حتما وجزما يرسلون من قبل الرب ، ما دامت العوامل المؤيدة لإرسالهم متوفّرة.
وهنا يأمر الله عزّ وجلّ رسوله الأكرم (ص) بأن يوضّح للناس هذه الحقيقة ، فكونه رسولا مبعوثا من قبل الله ظاهرة متكررة وسنّة جارية ، ولا داعي للغرابة.
ولكن ـ من جهة أخرى ـ ليس علم الرسول من ذاته.
(وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)
فهو لا يعلم ما يفعل به ولا بهم إلّا بقدر ما يشاء الله ، بمعنى أنّه لا يدري كلّ ما يفعل به وبهم إلّا في حدود رسالته ، لأنّ الرسول (ص) بشر كسائر الناس لا يعلم ماذا سيحدث مستقبلا بذاته بلى. إنّ الرسول ـ مثلا ـ يعلم أنّ الناس جميعا سيموتون ونحن كذلك نعلم ذلك ، أمّا معرفة التفاصيل والاطلاع على دقائق الأمور فانّ الله سبحانه يزيده منها بقدر مشيئته الحكيمة.
والرسول ـ كما يبدو من هذا المقطع من الآية ـ لا يعلم كلّ التفاصيل المستقبلية ، وإنّما عليه أن يتبع الوحي الذي ينزل عليه حسب الحكمة الالهية.
(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ)
وقد ذهب المفسرون مذاهب شتى في تفسير هذه الآية ، ويبدو لي أنّها ظاهرة بل صريحة فيما قلناه آنفا ، فانّ عدم معرفة الرسول بما يفعل به أو بهم لا يشمل ما يوحى إليه ، ولا ريب أنّه سبحانه أوحى إليه أنّ له عند ربّه مقاما محمودا ، وأنّ المجرمين من أعدائه في سقر.
(وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)