كسائر الناس.
وعلم الرسل هكذا ، ليس علما ذاتيّا ، وإنّما هو مضاف إليهم من عند الله الذي يهب لهم موجات من المعرفة تلو موجات من العلم بقدر ما شاء ، وإذا أراد أن يسلبها منهم فانّه على ذلك قدير .. ولهذا ينبغي أن لا نذهب بعيدا فيما يتصل بالأنبياء عليهم السلام ، بل نعرف أنّهم يعلمون ما يشاء الله ويجهلون ما سوى ذلك ، فكيف لم يكن يعقوب (ع) وهو من أنبياء الله العظام يعلم بمكان يوسف (ع)؟! وكيف لم يكن إبراهيم (ع) يعلم بأن السكّين الذي وضعه على أوداج إسماعيل لا يفريها؟! الجواب ببساطة : لان الأنبياء بشر ، والله يغيّب عنهم ما يشاء من العلم.
وهذا يفسّر قوله تعالى : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» (١) فغيب الله له وليس لأحد ، وهو علّام الغيوب ، وعنده مفاتح الغيب ، ولا يعلم الغيب إلّا هو ، ولكنّه يعطي قدرا منه لأنبيائه لحكم معينة.
وهكذا تحلّ عقدة الغرابة من ابتعاث الرسل ، وتعالج المعضلة التي يتشبّث بها الكافرون ، والتي كانوا يعودون إليها كلّما بعث إليهم نبي جديد مع أنّه سبقه إخوانه في الرسالة.
(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ)
إنّ بعض الظواهر الكونية تتكرّر كلّ يوم ، وبعضها كلّ أسبوع ، وبعضها تتكرّر كلّ سنة ، وبعضها كلّ قرّن ، ومن الظواهر التي تتكرّر بين فترة وأخرى الحروب ، فهي إحدى الظواهر الاجتماعية التي تقع عادة بين الحين والآخر ، ونحن نعترف بوجودها بالرغم من غرابتها الشديدة ، لأنّها واقعة وتقع في المستقبل
__________________
(١) الجن / ٢٦ ـ ٢٧