وتجليات خلقه وقدرته وحكمته؟
وهكذا تتصل كلمات هذه الآية ببعضها ، فالعلم يهدينا الى التوحيد ، والتوحيد يهدينا الى الاستغفار ، لأن الاستغفار هي حالة النفس عند معرفة الرب ، ووعي قدرته وهيمنته وعظمته ، إنّه الاحساس بالتقصير في مقام الألوهية ، إنه الاحساس بالذنب المقرون بالتطلع نحو الإصلاح ، وأي سلم أفضل لبلوغ درجة القبول عند ربّ العزة من معراج التوبة ، أم أي تحية أكرم عند لقاء العبد بربه من التسليم ، وأي حالة تسليم أفضل من الاستغفار. ثم إنّ الكبر هو الحجاب الأكبر الذي يمنع إشراقة نور الحق على جنبات الفؤاد ، وأي علاج أنجح من الاستغفار لاقتلاع جذوره.
ليس من اليسير القضاء على كبر النفس ، لأن منشأ الكبر هو الجهل ، والجهل هو من ذات النفس ، ومرتكز في صميم خلقته ، وإنما بدوام الاستغفار من الذنب نستطيع القضاء على الجهل ومظهره المتمثل في الكبر.
والذي يستغفر لذنبه يزداد تقوى وورعا من العودة اليه ، كما يزداد عزما لتنفيذ واجبات الدين واجتناب محرماته.
ويتساءل البعض : كيف أمر الرسول صلّى الله عليه وآله بالاستغفار؟ أو ليس هو المعصوم من كل ذنب؟ بلى. ولكن :
أولا : ليكون قدوة لأمته في الاستغفار.
ثانيا : لأن الحضور في مقام الربّ يستدعي الاستغفار ، لأنه المعراج الى المزيد من الكمال ، ولأنه بالتالي الحبل الممتد بين الربّ والعبد. وحتى لو كان الفرد غير مذنب بالذنوب المعروفة ، ولعل التعبير بالذنب دون الذنوب يشير الى إن المراد منه هو مجمل القصور والتقصير الذي لا يخلو منه العبد.