وإنّما هي وسيلة للعبادة ، ونجد هذا المعنى جليّا في كثير من الآيات القرآنيّة ، ومن جملتها قوله تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً» (١) وحبل الله هو الرسول والأئمة (عليهم السلام) ، ولاختصاص العبودية بالله نستطيع القول بأنّ الضمير في كلمتي «تعزّروه وتوقّروه» يعود على الرسول ، بينما يعود في كلمة «تسبّحوه» على الله مباشرة ، وفي الآية اللاحقة بيان وتأكيد لهذه الفكرة ، يقول تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)
فالمبايعة لله ، ولكنّها تمرّ عبر الرسول (ص) ، وغايتها إظهار الولاء التام للقيادة ، والتعهّد بالاستمرار في خطّها ، ولعلّ الكلمة مأخوذة من البيع فيكون معنى البيعة أن يبيع أفراد المجتمع المسلم أو التجمّع الرسالي ما لديهم من طاقات وإمكانات مادية ومعنوية لقيادتهم بإزاء رضوان الله ، وليس بالضرورة أن تتمّ البيعة بسلام الرجال على الرسول مصافحة ، ووضع النساء أيديهنّ في الماء ، كما تمّ عند البيعة للرسول أو للإمام علي في الغدير ، بل يمكن أن تتمّ عن طريق القسم الحركي ، أو بالوكالة بأن يبايع الأفراد نائب القائد ، أو حتى بالكتابة ، لأنّ المهم إظهار الاستعداد للطاعة بحركة واضحة.
قال جابر بن عبدالله (رضي الله عنه) : بايعنا رسول الله تحت الشجرة على الموت ، وعلى أن لا نفر. (٢)
وكان الرسول (ص) الذي يمثّل الله يضع يده على أيدي المؤمنين في البيعة ، وقد أكّد ربّنا لنبيّه أنّه سيكون بالمرصاد لكلّ من تسوّل له نفسه الخيانة.
(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)
__________________
(١) آل عمران / ١٠٣
(٢) الزمخشري ج ٤ ص ٣٣٥