الأمر يوحي بخلاف ذلك ، ومن يرد نصر الله ورحمته يجب أن يعطيه ويلتزم بأمره.
(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)
فهو محيط علما وقدرة بالمكاسب الأخرى التي تأتي في المستقبل ، والتي تغيب عن وعي المؤمنين ، أو ربما كانوا لا يصدّقون بأنّهم سوف يبلغونها لو قيل لهم ذلك ، نظرا لكونها مكاسب كبيرة بالنسبة الى قدراتهم وإمكاناتهم ، فهل كانوا يعلمون أو يصدّقون بالمكاسب التي حصلوا عليها فيما بعد من بلاط كسرى وقيصر؟ كلّا .. وهي كلّها من معطيات صلح الحديبية لو درسنا التاريخ دراسة واقعية معمّقة ، فانتصار الرسول على يهود خيبر وفتحه لمكة المكرمة عسكريّا ، الأمر الذي كان يعني سيطرته التامة على شبه الجزيرة العربيّة بكاملها ، كلّ ذلك كان من مكاسب الصلح ، وهذه الانتصارات بدورها وحّدت القوى آنذاك كلّها تحت راية الإسلام ، فإذا بالمسلمين قوة ضاربة تنطلق شرقا لتفتح بلاد فارس ، وغربا وشمالا لتنتهي الى سلطان الروم ، وتبنى على انقاضها حضارة الإسلام.
ولم يكن أحد من المؤمنين ـ إلّا من شاء الله ـ يتوقّع النجاة من يد مشركي مكة حينما دعاهم الرسول للبيعة ، بل كان كثير منهم فريسة للشك في الدين ، والتخلّف عن أوامر القيادة الرسالية ، فكيف بهم يدركون تلك المكاسب العظيمة أو يؤمنون بها؟
إنّ المؤمنين كانوا يخسرون هذه المكاسب لو اتبعوا أهواءهم وآرائهم الشخصية القاصرة فتخاذلوا عن نصرة الرسول والبيعة له يومئذ ، لذلك ينبغي لنا في كلّ مكان وزمان أن نتبع الوحي الالهي ، ونسعى في تطبيقه ، لا أن نتبع أهواءنا وتصوّراتنا البشرية المحدودة.