قلوب من يصلح له ما زكى أحد من البشر أبدا. ولقد حبب الله الايمان مرتين ، مرة عند ما خلق البشر على فطرة الايمان بالله ، ومرة عند ما ألقى في أفئدة المسلمين لربهم الصالحين لتلقي نعمة الهدى حب الايمان. كما ان الفطرة البشرية بذاتها تكره الانحراف بكلّ درجاته ، كالكفر الذي يعني مخالفة الدين رأسا ، والفسوق الذي يعني تجاوز حدود الشريعة والعصيان الذي هو ارتكاب بعض الخطايا ، وهذه الثلاث تعاكس الايمان ومن دون تطهير القلب من أدرانها لا يستقبل القلب روح الايمان.
(أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)
قالوا : أصل الرشد الصخرة ، ويسمى صاحب الرأي السديد بالراشد لاستقامته عليه ، وشدة تصلبه فيه ، فهو على يقين من أمره. ورشد المؤمن ناشئ من يقينه ، وتصلبه في الحق إذ أنه عرف دربه الواضح فسوف لا يغيره.
وقد التفت السياق من الخطاب الى الغيبة ، ربما لأن مقام الراشدين رفيع لا بد أن يشار اليه بمثل كلمة (أولئك) وهو بالتالي لا يناله إلا من هو ذو حظ عظيم ، فليس كل تال للقرآن مخاطب بهذه الصفة العظيمة. والآية تدل على أن أساس الدين الحب ، ولذلك يسعى المؤمنون لترسيخ وتنمية هذا الحب في أفئدتهم ويقولون : «واجعل لساني بذكرك لهجا ، وقلبي بحبك متيما». (١)
وجاء في صفة حزب الله المفلحين : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ» (٢).
__________________
(١) من دعاء لأمير المؤمنين (ع) المعروف بدعاء كميل / مفاتيح الجنان / ص ٦٧
(٢) المائدة / ٥٤