(اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
الآخرة بعكس الدنيا تماما ، فلا الصبر والاحتمال ينفع ثمّة ولا التحدي والمواجهة ، بينما يتألّم المرء في الدنيا فيتحمّل الألم بالصبر فيجديه سكينة ، كما يستمطر بذلك رحمة الله ، وقد يتحدّى الألم بعمل مضاد فيرتفع ويخفّف عنه ، أمّا الآخرة فإنّ الاستسلام للعذاب لا يخفّف عنه ، كما أنّ مواجهته لا تجديه نفعا ، ذلك أنّ العذاب الذي يصلاه المكذّبون في الآخرة هو بالضبط أعمالهم الدنيوية ، وهناك حساب ولا عمل.
بلى. يستطيع الإنسان أن يتقي النار في الدنيا باجتناب السيئات وبالتوبة منها ، ومتى ما عرف الإنسان بأنّه هو الذي يحدّد مستقبله بنفسه ترك الاسترسال مع الظروف والخوض في اللعب ، ونظر إلى الحياة نظرة جادّة ، وانطلق نحو تحمّل المسؤولية بثبات.
[١٧] وهذا الايمان نجده عند المتقين.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ)
إنّ الحياة الدنيا (دار الابتلاء) تشبه الى حدّ بعيد حقلا مزروعا بالألغام ، والفرق بين المتقين فيها وغيرهم أنّهم آمنوا بهذه الواقعية فاتبعوا هدى ربّهم ، وساروا ضمن الخط المرسوم لهم ، فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ، ولقّاهم نظرة وسرورا ، بينما كذّب الآخرون بذلك فصاروا طعمة للعذاب ، ووقودا لجهنم.
[١٨] إنّ الله خلق الناس ليرحمهم ، كما صرّح بذلك في قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ