العذاب بقوله : (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، بينما يعبّر عن سبب الرحمة هنا بقوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بإضافة كلمة الباء الدالة على البعضية ، مما يدلّ بأنّ الجزاء هناك هو ذات أعمالهم ومساو لها نوعا وكمّا ، بينما ثواب الله لأصحاب الجنة مضاعف ، وإنّما عملهم سبب ووسيلة له فقط.
[٢٠] (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ)
قال الراغب في مفرداته : والسرير الذي يجلس عليه من السرور ، إذ كان ذلك لأولي النعمة ، وجمعه أسرة وسرر ، وسرير الميت تشبيها به في الصورة ، وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله تعالى وخلاصه من سجنه (يعني الدنيا) (١) ، وسرر المتقين في الجنة تكون مرتبة في نظام بحيث يتقابلون فيها لا يستدبر أحدهم الآخر ، ويعمّق ذلك النظام حالة السرور ، لأنّ النفس تهوى الترتيب.
(وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ)
عند التعمّق في هذه الآية والتي سبقتها نجد علاقة بين النعم الثلاث التي يذكرها القرآن جزاء للمتقين ، فأولا ذكر الاباحة في الأكل والشرب كجزاء لالتزامهم بالحلال والحرام في الدنيا ، وكبحهم لشهوات البطن ، ثم ذكر الاتكاء على السرر مما يرمز الى الراحة جزاء تركهم الراحة وتحمّلهم أعباء المسؤولية في الدنيا ، وأخيرا يذكر نعمة الحور العين جزاء وفاقا لتجنّبهم الحرام من الجنس ، وهذا التدبر يتصل بعمق مع كلمة المتقين.
[٢١] ولأنّ المتقي كأيّ إنسان آخر يتطلّع إلى خير أسرته ، يعرج القرآن ليعالج
__________________
(١) مفردات الراغب / ص (٢٣٤).