ولقد كان عروجه إلى الله في تلك الرحلة المشهودة تجسيدا لذلك السمو.
لقد كان (صلّى الله عليه وآله) يتلقّى الوحي عبر جبرائيل حينا ، وبصورة مباشرة حينا ، ولعلّ أعظم ساعات التلقّي كانت حينما رفعه الله إلى مقام قال عنه رفيقه جبرئيل : «مكانك يا محمّد فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قط ولا نبي» حتى لم يبق بينه وبين ربه واسطة ، ودنى من الله قربا فكان كما قال الإمام الصادق (ع) : بينهما حجاب يتلألأ بخفق ، فنظر في مثل سمّ الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة ، فقال الله تبارك وتعالى : «يا محمّد! قال : لبيك» (١) وكلّمه تكليما ، كما كلّم موسى بن عمران (عليه السلام).
(وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى)
يطوف معه جبرئيل وهو على البراق ، يصعد من سماء إلى أخرى ينظر إلى آيات الله ، ويزداد برؤيتها يقينا وصعودا في آفاق الإيمان حتى بلغ السماء السابعة.
(ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى)
حتى بلغ حجب النور ، يقول النبي (ص): «فقال لي جبرئيل : تقدّم يا محمّد ، وتخلّف عني ، فقلت : يا جبرئيل! في مثل هذا الموضع تفارقني؟! فقال : يا محمّد إنّ انتهاء حدّي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه إلى هذا المكان ، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي ، بتعدّي حدود ربّي جلّ جلاله ، فزخّ بي في النور زخّة حتى انتهيت إلى حيث (ما) شاء الله من علوّ ملكه» (٢).
ويخالف الفكر الإسلامي الأصيل النظرة الفلسفية ، أو ما يسمّيها البعض
__________________
(١) بحار الأنوار / ج ١٨ ـ ص ٣٠٦
(٢) المصدر / ص ٣٤٦