يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ، ولكنّه عزّ وجلّ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ، ويكرمهم بمشاهدته ، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقوله المشبّهون ، سبحان الله وتعالى عما يصفون» (١)
وقد يكون التدلّي الأخذ من المعرفة والعلم ، كقولنا تدلّى فلان إذا أرسل دلوه في البئر ، واغترف منه ماء ، فإنّ الرسول كان يتدلّى معرفة من بحار العلم والنور التي مرّ بها في ملكوت السماوات السبع أثناء رحلة المعراج ، قال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في جواب له على سؤال رجل عن هذه الآية ومعنى «فَتَدَلَّى» : «إنّ هذه لغة في قريش ، إذا أراد الرجل منهم أن يقول : قد سمعت يقول : قد تدلّيت ، وإنّما التدلّي الفهم» (٢) وكلّما فهم الإنسان الحقائق ، وازداد معرفة بربّه ، كلّما تقرّب إليه ودنى منه ، ولعلّ مرور الرسول في عروجه بملكوت السماوات ، ومشاهدته لما فيها من الآيات التي كانت تعرّفه بربّه أكثر فأكثر كلّما صعد في الأفق نحو الحدّ الذي وصل إليه وتجلّى له فيه نور ربّه ، كان تهيئة له ليرى التجلّي الأعظم لله في نوره الذي قرب منه الرسول (ص).
(فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)
أبدا ليس الله بعيدا عن خلقه. أولم تقرأ في الدعاء : «وأنّ الراحل إليك قريب المسافة ، وأنّك لا تحتجب عن خلقك إلّا أن تحجبهم الأعمال دونك» (٣).
ولكنّ الإنسان هو البعيد عن ربّه. أو ليس قد تراكمت على نفسه حجب الغفلة والجهل والمعاصي ، فكيف يتلقّى نور ربّه؟!
__________________
(١) تفسير نور الثقلين / ج (٥) / ص (١٨٥).
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ١٥١
(٣) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ١٥٢