وهب أنّه طهر قلبه من كلّ ذلك فكيف تستقبل هذه النفس المحدودة العاجزة أنوار عظمة الخالق دون أن يتصدّع قلبه. أو ليست قدرة الاحتمال عند النفس البشرية محدودة؟ وهل تصبر العين على التركيز في قرص الشمس طويلا؟ كلّا ..
لقد تجلّى الربّ لحظة للجبل فجعله دكّا ، ولم يصبر قلب موسى ذلك النبي العظيم لرؤية الجبل الذي تدكدك بتجلّي الرب فخرّ صعقا ، فيا ترى كيف صمد قلب محمّد (صلّى الله عليه وآله) لنور ربّه ، وأيّ مقام سام تعالى إليه نبيّنا الأكرم حتى كان قاب قوسين من ربّه أو أدنى؟!
ولم يحدّد القرآن المسافة بالضبط ، لعلّه لبيان حالة التصاعد والتنازل التي يتعرّض لهما الإنسان في القرب والبعد من ربّه ، كما قال عن قوم يونس «وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» ، ولكنّه قال «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى» في مقام الرسول لأنّه في حالة تصاعدية من الإيمان لا تنازلية.
وكلمة أخيرة :
قال تعالى «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى» معبّرا بهذه الوحدة القياسية العرفية عن قرب الرسول للدلالة على شدّة القرب المعنوي من الله ، ولتأكيد الفاصلة بين الخالق والمخلوق ، وقد قالوا في قاب قوسين : أنّ القاب هو المسافة بين المقبض والسّية.
[١٠] وهنالك حيث اقترب الرسول من ربّه ، وتهيّأ من الجانبين ، أوحى الله إليه أمرا أبهمه في النصّ ب «ما» دلالة على العظمة.
(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى)
قال عليّ ابن إبراهيم (ر ض) : «وحي مشافهة» (١) ، وقال الصادق (ع)
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء أبي حمزة الثمالي.