فإنّ مسافة لا متناهية تفصل بين واقع الحضور والشهود والعلم عند الرسول وبين الأهواء والظنون عند أولئك الكفّار.
وهنا يلج السياق في الحديث المفصّل ببيان الضلالات التي وقع فيها المشركون بابتعادهم عن الهدى ، واعتقادهم بالأصنام ليس عن قناعة ، بل لأنّهم أرادوا منها الشفاعة ، والفرار من المسؤولية ، والآيات تنسف هذا الضلال بالتأكيد على أنّ الملائكة مع كرامتهم عند الله لا يملكون الشفاعة إلّا من بعد إذنه ورضاه ، فكيف بهذه الأصنام الحجرية التي لا تبصر ولا تسمع ، ولا تنفع ولا تضر ، بل يستوجب الإعتقاد بها الغضب والعذاب؟! بلى. إنّهم يتمنّون ذلك ويزعمون ، والظن لا يغني من الحق شيئا ، إذ ليس في هذا العالم إلّا الحق ، وإنّما الحق أن يبلغ الإنسان ما يسعى إليه.
بينات من الآيات :
[١٩ ـ ٢٠] الجهل أرضية أكثر العقائد الفاسدة ، فلأنّ المشركين لم يعرفوا عظمة الله وآياته طفقوا يعبدون الأصنام ، ولذلك نجد القرآن بعد تأكيد علم النبي (ص) بربّه من خلال الوحي يأتي على بيان فساد عقائد المشركين بالآلهة المزيّفة التي عبدوها من دون الله ، بتوجيههم إلى العلم وتبصّر الحقائق دون الاسترسال مع الأهواء ، ويقول مستنكرا هذا الضلال :
(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)
وهي من أهمّ وأشهر الأصنام التي عبدها المشركون في الجاهلية ، فأمّا «اللَّاتَ» فقيل أنه صنم لأهل الطائف جعلوا له سدنة وكهنة وحجّابا ، وزعموا أنّه تأنيث لله سبحانه وتعالى ، وقالوا : إن كان لأهل مكّة بيتا يزورونه ويطوفون حوله كلّ عام فنحن لنا هذا الإله ، وكانت قبيلة ثقيف التي تسكن الطائف تقدّسه