كانوا إناث! ، وهنا تتضح منهجية القرآن ، فهو يحطّم العقائد المنحرفة من بناها الأساسية ، وذلك يزيل القدسية التي يعتقدونها في أصنامهم ، ببيان أظهر الأدلّة على زيفهم وانحرافهم ، مع أنّ الأظهر قد لا يكون هو أهمّ الأدلّة ، وقد لا يعبر عن كلّ الحقيقة ، ولكنّه يحطّم القدسية التي أضفوها على معتقداتهم ورموزها من الأصنام والطغاة ، وبعد أن تزول عقبة القدسية الموهومة عن طريق النفس يتحرّر الفكر ، وينطلق للبحث عن الحقيقة ، فيطرح القرآن الحقائق الأعمق للنظر فيها.
[٢٣] وبعد التمهيد المتقدّم الذي استهدف إزالة قدسية معتقدات المشركين ينسف القرآن أفكارهم من أساسها نسفا ، وذلك ببيان أنّها لا رصيد لها أبدا من الواقع والحق ، وأنّها لا تقوم إلّا على الأوهام والظنون.
(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ)
فهي لا واقعية لها ، بل هي مجرّد أسماء ورموز لا مسمّيات لها ، ولعلّ معنى ذلك أنّ قوّة هذه الأصنام نابعة من ظنونكم وأوهامكم ، لا من واقع حق وراء ذلك. أو ليس ما يتصوّره البشر من صور خيالية قائمة بنفسه ، ويكفي لإزالتها مجرد توقّف الخيال عن تصوّرها؟
تصوّر الآن نهرا من لجين مذاب ، واختر له اسما مثلا (نهلجين) ، ثم أوقف عملية التصوّر ، ماذا يبقى من هذا الذي سمّيته (نهلجين)؟ لا شيء ، كذلك حين يوقف المشرك توهّمه لقدسية الأصنام لا يبقى منها شيء ، وكذلك الطغاة (وهي الأصنام البشرية) تزول قوّتهم وهيبتهم بمجرّد إحساس المستضعفين بواقع أمرهم وانتزاع وهم القدسية عنهم. أليس كذلك؟