إذن ليست رموزا للملائكة ولا للقوى الطبيعية ، إنّما هي تجلّيات للأهواء النفسية والمصالح المادية ، فحينما يحبّ الإنسان الثروة يحبّ الثري ، ويتخيّل لهذا الحب رمزا ومذهبا ، ثمّ حينما يعبده فهو لا يعبد الصنم ولا الثرى أو الثروة ، إنّما يعبد أهواءه وشهواته ، وهكذا الذي يعشق الجمال أو الجنس ، ولو قمنا بدراسة تحليلية عن الأوثان والأصنام التي عبدها الجاهلون في شبه الجزيرة العربية ، أو تلك التي علّقوها في الكعبة ، أو الأخرى التي تقدّس وتعبد هنا وهناك ، لخلصنا إلى نتيجة واحدة وهي أنّها ترمز إلى قوى اجتماعية واقتصادية وسياسية أو ثقافات وتقاليد وأساطير عند أصحابها ، وأنّ عبادتها ليست إلّا عبادة للأوهام والأهواء المتجذّرة في نفوسهم.
وهذا الضلال ليس نتيجة انعدام الهدى أو غموضه ، فقد جاءهم الهدى من ربّهم ، وعلى لسان أفضل خلقه وأبلغهم وهم الأنبياء ، ولكنّهم تركوا العقل إلى الجهل ، والعلم إلى الظن ، والهدى إلى الهوى.
[٢٤] ولو تساءلنا عن سبب هذا الإختيار الضال لوجدناه محاولتهم التهرّب من ثقل المسؤولية بالأعذار المختلفة التي جاءت السورة لعلاجها ، ويبدو أنّ السياق يمهّد لذلك ويقرّبنا شيئا فشيئا منه ، فمن أهداف الرسالات الإلهية جميعا ترسيخ المسؤولية ، وتعرية الإنسان من حجب التبرير والأهواء التي يحاول أن يتخلّص من المسؤولية باسمها.
(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى)
التمنّي هو خداع الإنسان لنفسه بشيء جميل من خلال الظنون والأوهام التي يصنعها بتخيّلاته ، فالجائع يتمنّى الشبع فيتخيّل القرص ، والعطشان يتمنّى الارتواء فيتوهّم الأنهار الرقراقة ، والشبق يتخيّل نفسه يلصق بمعشوقته ، وهذه حالة طبيعية في