الإنسان ، تعطيه التوازن في الحياة ، وكلّما كانت الحقائق والتطلّعات التي يصبو إليها كبيرة وهامّة كلّما كانت تمنّياته تأخذ أشكالا وأبعادا جديدة ، إلّا أنّ المبالغة في التمنّي تضرّ به لأنّه يخرجه من التعايش الواقعي مع الحياة إلى الأوهام والأساطير ، ومن السعي الجاد نحو الهدف إلى مجرد الظنّ والهوى. أترى لو جلس أحد في بيته وتمنّى وصول الرزق إليه هل يتحقّق ذلك له؟ وهكذا لو مشى في الدنيا خبط عشواء ، فإنّ مجرّد تمنّياته ـ المنطلقة من أهوائه والظنون والمبنية على اعتقاده بالأصنام ـ لن تدفع عنه المشاكل والويلات ، ولن تنقذه من العذاب ، بلى. للإنسان سعيه وعمله خيرا أو شرّا ، وهذا ما سنجد الآيات تنتهي إليه كمحصّلة نهائية لعلاج فكرة التمنّي ، قال الإمام الصادق (ع) : «تجنّبوا المنى ، فإنّها تذهب بهجة ما خوّلتم ، وتستصغرون بها مواهب الله جلّ وعزّ عندكم ، وتعقبكم الحسرات فيما وهمتم به أنفسكم» (١).
[٢٥ ـ ٢٦] وبطلان فكرة التمنّي ليس مختصا بالآخرة وحسب ، بل يشمل الدنيا أيضا ، ذلك أنّ الله الذي خلقهما رسم خريطتهما ، وأركز فيهما سبلا وسننا واقعية تجريان على أساسهما ، وليس على أساس الأحلام والتمنّيات ، يقول تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٢).
(فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى)
الله هو الحق ، وهو الآمر به ، وسلطانه الدائم ، وتدبيره المهيمن ، وقضاؤه النافذ ، كلّ أولئك ضمانة لتنفيذ الحق رغم تمنّيات البشر المعاكسة له ، وليس في
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٤٢
(٢) النساء / ١٢٣