تقديم هذه الفكرة (الشفاعة) المشحونة بالرجاء واللطف الالهي ، على فكرة المسؤولية وما فيها من الشدة والصرامة ، يهدف اعطاءنا الأمل في رحمة الله ، لكي لا نيأس فنتوغل في الجريمة والذنب ، أو نقعد عن عمل الصالحات ، بناء على تصوراتنا البشرية المرتكزة في القنوط والجزع. كلا ان الله رحيم ويحاسبنا بفضله لا بعدله ، والا لما دخل الجنة أحد كما قال الرسول الأعظم (ص) : «ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» (١).
ثم يؤكد القرآن بخطاب فصل مسئولية الإنسان عن سعيه ، انه يجازى عليه ان خيرا فخير وان شرا فشر ، وهي تتعلق بنفي الشرك وبرفض الأنداد ومدى عمق حقيقة التوحيد في النفس فكلما زاد يقين الإنسان بالله وانه المالك الحاكم الأحد لكل شيء ، كلما كان أقرب من المسؤولية ايمانا وعملا ، وابعد عن الحجب والتبريرات التي تمنعه من حملها.
ان التوحيد يجعله لا يتوسل بوشائج الشرك ، التي هي بذاتها نوع من التبريرات التي يلجأ إليها الإنسان تهربا من المسؤولية. انك تراه يقبل كل شيء ، يقبل ان يكون عبدا للشجر وللحجر وللبقر لا فرق من أجل ذلك لكي يفر من ثقل المسؤولية. إذا فمتى ما طهرت نفسه من درن تلك الأصنام ، القائمة على أساس الثقافة الجاهلية الضالة ، القائمة بدورها على الظن وهوى النفس ، فانه يومئذ مجرد ان يقف امام المسؤولية بلا تبريرات يجد نفسه امام حجة بالغة تضطره الى التسليم لها عمليا.
بينات من الآيات :
[٣١ ـ ٣٢] لقد دعا الله المؤمنين الى الاعراض عمن تولى ، ولان البعض لا يعرض عن الكيان الجاهلي خشية الضعف والفقر ، أكد القرآن بان الله هو الغني
__________________
(١) بح / ج ٧ / ص ١١