مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (١).
ولكن من الذي يحدد الذنب الذي يقترفه الإنسان ، هل هو من الصغائر أم من الكبائر على ضوء هذه القاعدة؟
انه الله الذي يحيط علما بدقائق حياة الإنسان ، وفي جميع مراحل نشأته. ولا يخدع الله عن جنته. نعم فهو الذي خلقنا وربانا من يوم كنا في بطون أمهاتنا حتى نموت. فحتى العوامل الوراثية والتربوية التي تؤثر في شخصية الإنسان التي تنقل اليه وهو جنين يعلمها الله.
(هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ)
ويبدو ان كلمة الأرض هنا تشير الى القوى والعوامل السلبية المؤثرة في شخصية الإنسان ، كالهوى وحب المال والظهور و... وتشير الآية الكريمة الى بصيرتين هما : سبق رحمة الله الى الإنسان إذ والى نعمة عليه قبل ان يصير الى رحم امه فأنشأه من دون شيء سبق منه اليه تعالى ، ثم لما صار جنينا انشأه وأسبغ عليه من نعمه حتى استوى ، وهذه الآية تؤكد سعة رحمة الله ومغفرته.
وقد تجلت هذه البصيرة القرآنية أيضا في دعاء الامام الحسين في يوم عرفة ، حيث جاء فيه : «ابتدأتني بنعمتك قبل ان أكون شيئا مذكورا. خلقتني من التراب ثم اسكنتني الأصلاب آمنا لريب المنون ، واختلاف الدهور والسنين. فلم أزل ظاعنا من صلب الى رحم في تقادم في الأيام الماضية ، والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ، ولطفك لي ، وإحسانك اليّ في دولة أئمة الكفر الذين
__________________
(١) آل عمران / ١٣٥ ـ ١٣٦