نقضوا عهدك ، وكذبوا رسلك ولكنك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني ، وفيه انشأتني ، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك ، وسوابغ نعمك. فابتدعت خلقي من منيّ يمنى ، واسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم ودم وجلد ، لم تشهدني خلقي ، ولم تجعل اليّ شيئا من أمري ، ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الى الدنيا تاما سويا ، وحفظتني في المهد طفلا صبيا ، ورزقتني من الغذاء لبنا مريا ، وعطفت عليّ قلوب الحواضن ، وكفلتني الأمهات الرواحم ، وكلاتني من طوارق الجان ، وسلمتني من الزيادة والنقصان. فتعاليت يا رحيم يا رحمان حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام ، أتممت عليّ سوابغ الانعام ، وربيتني زايدا في كل عام. حتى إذا اكتملت فطرتي ، واعتدلت مرّتي ، أوجبت عليّ حجتك ، بأن ألهمتني معرفتك ، وروّعتني بعجائب حكمتك ، وايقظتني لما ذرأت في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ، ونبهتني لشكرك وذكرك ، وأوجبت عليّ طاعتك وعبادتك ....» (١)
البصيرة الثانية : نفوذ علم الله الى جميع جوانب حياة الإنسان ودقائقها ، اذن لا يفوته شيء عنه.
وفائدة بيان هذه الحقيقة هي ان الإنسان قد يبتلى بالغرور والتبرير فيزكي نفسه ، ويسمي كل ما يقترفه من الذنوب حتى الكبائر والفواحش لمما ، أو يصل الى حالة ذلك الإنسان الذي يشرب الخمر ويقول انه يتحول خلا بمجرد بلوغ فاه ، ويبرر ذلك بأنه وصل الى درجة من الايمان حيث يتحول في جسمه الخمر خلا ، أو الاخر الذي امر اتباعه بالصلاة وقعد عنها لأنه عند نفسه بلغ مقاما فوق الصلاة.
(فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى)
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء يوم عرفة