من هذه الآية الكريمة ، وهذا التفسير يجمع بين آراء المفسرين القائلة بأنّ الأمر المستقر هو العواقب ، أي أنّ عاقبة الأمور مستقرة على قيم ثابتة ، كما ترسي السفينة بالتالي عند الشاطئ ، أو ما قالوا : بأنّ عاقبة الخير الحسنى والشر السوئى ، وقال بعضهم : أنّها القيامة حيث تستقر عندها سفينة الدنيا ، لأنّها تبرز كأمر واقعي محسوس ، ويتميّز الحق من الباطل.
بلى. إنّ كلّ أمر واقعي حق سوف يستقرّ مكانه ، ويتكرّس أكثر فأكثر رغم الظروف والعوامل المضادّة ، واستقراره أعظم دلالة من ملايين الكلمات ، فلو اجتمع الإنس والجن على إنكار وجود الجبال ، وجاؤوا بملايين الأدلة ، هل يتغيّر الواقع؟ كلّا .. ذلك أنّ المحور الحقيقي هو الواقعيات الخارجية الحقّة ، وليست الأهواء والتمنّيات والظنون ، ولعلّ معنى «حِكْمَةٌ بالِغَةٌ» التي تأتي لاحقا هو هذا الأمر ، إذ أنّ الحكمة هي وضع الشيء موضعه ، ولا يقدر على ذلك إلّا من عرف السنن الالهية النافذة في الخلق ، والنظام العادل الحاكم في كلّ شيء ، وإنّما كانت رسالات الله حكمة بالغة لأنّها تهدي الإنسان إلى المستقرّات من الحقائق الواقعية ، ومن ثمّ إلى منهج الحياة الأقوم والقائم على أساسها.
[٤] وإذا كانت القيم هي المستقرة (لا الأهواء) فإنّ أعذار أولئك الكفّار تذهب باطلا. أو ليس قد توافرت الشواهد على صدق الرسالة ، فلم كفروا بها؟ أو ليس قد تواترت الأنباء على أنّ من كفر بها أهلك ، وكفى بذلك زاجرا؟
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ)
ومن تلك الأنباء آية انشقاق القمر ، والمزدجر هو التخويف والترهيب ، وربّنا لم يكتف بإرسال الآيات ، وبيان القوانين للإنسان ، بل وأقام عليه الحجة البالغة حينما حذّره من مخالفتها ، «لئلّا يقول أحد لو لا أرسلت إلينا رسولا منذرا ،