وأقمت لنا علما هاديا ، (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (١).
[٥] وليس في آيات الله تعالى نقص أبدا ، بل فيها الحجة القاطعة ، إذ جعلها الله من الوضوح والكمال درجة لا عذر لأحد في الاعراض عنها وعن دلالاتها ، فهي كما يصفها تعالى :
(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ)
والبلوغ هنا بمعنى التمام والكمال ، ومنه بلغ الرجل إذا اكتمل نفسيّا وعقليّا وعضويّا ، وبلغت الثمرة إذا نضجت وحان قطافها ، وهناك معنى آخر تنطوي عليه الكلمة وهو الوصول ، والحكمة الالهية كاملة عمقا وشمولا ، لا يعتريها نقص في المحتوى ولا الأسلوب ، ثم انّ الله أوصلها إلى الناس عبر أنبيائه المبلّغين ، فلا عذر لهم بأنّه لم يرسل رسولا ، وهذه الآية تشبه قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٢).
إذن فالحياة ليست فوضى ، بل ولها قوانينها وسننها المستقرة الثابتة ، والإنسان يحتاج إلى الحكمة البالغة المنطلقة من تلك الواقعيّات الحق ، لكي يعيش فيها كما ينبغي ، وهذه نجدها مبثوثة في كتاب الله ، الحكمة البالغة العظمى ، والنعمة الكبرى ، والهدية الالهية إلى الإنسان ، وقد بلّغها رسوله (ص) ، فلما ذا إذن هذا الضلال الذي تعيشه البشرية؟ والجواب : لأنّها لم تؤمن به ، ولم تطبّق آياته. إنّها وضعت بينها وبين تلك الحكمة حجب الاعراض والتبرير والتكذيب والهوى.
(فَما تُغْنِ النُّذُرُ)
__________________
(١) مفاتيح الجنان / دعاء الندبة.
(٢) الأنعام / (١٤٩).