شفاعة محمّد (صلّى الله عليه وآله) يوم القيامة» (١) وكم تكون حاجة هؤلاء إلى الرسول في ذلك اليوم عظيمة! ولكنّ الله يأمره بالتولّي عنهم جزاء لتولّيهم وإعراضهم في الدنيا.
(يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ)
وعدم ذكر الداعي هنا (هل هو الله ، أم إسرافيل ، أم جبرئيل ، أم الروح؟) يدلّ على أنّ المهم الدعوة وما تنطوي عليه ، وليس شخص الداعي ، لذلك أبهم ، وفي ذلك من الترهيب الشيء العظيم ، ثم انّه تعالى زاد الأمر رهبة حينما جعل المدعو إليه مجهولا ، فقال «شَيْءٍ» والشيء نكرة ، والإنسان مجبول على الخوف من المجهول ، وأخيرا جاءت صفة الشيء تفيض رهبة وزجرا وتخويفا بتأكيدها على أنّ الشيء منكر ، وأصله أن يرد على الإنسان ما لا يتصوّره ويستسيغه ، وقيل للذنوب والخطايات منكرات لأنّها يمجّها عقل البشر ووجدانه ولا يستسيغانها.
[٧ ـ ٨] وإذا كان الإنسان في دار الامتحان قادرا على الاعراض عن دعوة الله وعدم إجابة داعيه ، فليس لأنّه يغلب الله بمعصية أو يعجزه هربا من عقابه ، كلّا .. «وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (٢) ، أمّا في يوم القيامة فإنّه تسلب حرّيته ، ويخلص الملك والحكم لله الواحد القهّار ، فلا مجال لأحد أن يتمرّد على أمره أو يرفض دعوته ، «يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً» (٣) ، هنالك يبدّل تكبّر المعرضين والمكذّبين ذلة وهوانا.
__________________
(١) المصدر / ص (٣٨).
(٢) الأحقاف / (٣٢).
(٣) طه / (١٠٨).