(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ)
خشوع صغار وندامة يعكس عمق المذلّة في نفوسهم.
(يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ)
والأجداث هي القبور ، وحيث تبعث البشرية بجميع أجيالها التي تعاقبت على الأرض يصير العدد عظيما ، بحيث يركب بعضهم على بعض ، «فأحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا ، ولنفسه متّسعا» (١) كما يقول الامام علي (ع) ، والقرآن يشبّه الناس في حشرهم بالجراد حينما ينتشر ، أي يتكاثر بأعداد هائلة في مثل حالات البلاء ، فهو حينئذ كثير متراكم ، والقرآن هنا يقدّم الحديث عن حالتهم «خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ» على خروجهم من القبور ، لأنّ بيانها هو هدف السياق من ذكر القيامة ، وهو يمضي يحدّثنا عن حال الذين أعرضوا وكذّبوا واتبعوا أهواءهم بدل أن يتبعوا الدعاة إلى الله عزّ وجل.
(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ)
قال صاحب المجمع : الهطع المشي السريع بالإلجاء والإكراه والاذلال ، وقال الزمخشري : بمدّ الأعناق ، أو ناظرين إليه (إِلَى الدَّاعِ) لا يصرفون أبصارهم عنه إلى غيره ، وقال الراغب : هطع بصره أي صوّبه ، وبعير مهطع إذا صوّب عنقه ، والذي يبدو أنّ الله قطع الكلمة عن الاضافة ، فلم يقل مهطعين رؤوسهم مثلا ، وذلك ليتسع معناها إلى مضمون أشمل هو تجميع كلّ جوارح البدن وجوانح القلب في اتجاه الداعي ، وهذا يدلّ على عمق طاعتهم لداعي الله.
__________________
(١) نهج البلاغة / خطبة (١٠٢).